هاجم القرامطة بِقيادة الحسن الأعصم الشَّام في سنة 357هـ المُوافقة لِسنة 968م، فدخلوا دمشق، وساروا إلى الرملة، فتصدَّى لهم الحسن بن عُبيد الله الإخشيدي، غير أنَّهُ انهزم أمامهم، فغادر المدينة التي سقطت في أيديهم بعد مُقاومةٍ من جانب سُكَّانها، فدخلوها واستباحوها لِمُدَّة يومين، وسبوا عشرة آلاف من سُكَّانها، وفرضوا عليهم جزية قدرها مائة وخمسة وعشرين ألف دينار،[80] واضطرَّ الحسن بن عُبيد الله أن يُصالحهم على مبلغٍ من المال قدره ثلاثمائة ألف دينار سنويًا، واعترف بِسُلطتهم ونُفوذهم على الشَّام،[81] وبذلك أصبحت هذه البلاد تحت النُفوذ القُرمُطي في أواخر عهد الدولة الإخشيديَّة وقُبيل الغزو الفاطمي لِمصر، وأضحى النُفوذ الإخشيدي في الشَّام بِحُكم الزَّائل.
متى سقطت الدولة الإخشيدية؟
Ground Truth Answers: 968م
Prediction:
كان الحسن بن عُبيد الله الإخشيدي قد أساء مُعاملة السُكَّان خِلال الأشهر الثلاثة التي استبدَّ فيها بِشُؤون الحُكم بِمصر، فقبض على جماعة من أعيان الدولة والبلد وصادر أموالهم، فهرب كثيرٌ منهم إلى المغرب وعلى رأسهم الكاتب الشهير يعقوب بن كلس، والتحقوا بِخدمة الفاطميين، كما أقدمت جماعة من الأُمراء الإخشيديين الذين لم يرضوا عن حال البلاد والعِباد إلى مُراسلة الخليفة الفاطمي يستدعونه لِيتسلَّم مصر، ووعدوه بِالمُساعدة والمُساندة على أن يملك البلاد بِغير قتال ولا يُرغم أحدًا على التشيُّع.[86] وفي الواقع فإنَّ الدُعاة الفاطميين كانوا قد تمكنوا من اختراق الجبهة الداخليَّة في مصر، واستقطاب بعض المصريين وجذبهم إلى الدعوة الفاطميَّة، وكان الرأي العام في مصر على استعداد لِتقبُّل أي حاكمٍ جديد يُريح البلاد مما تتخبط فيه من مشاكل سياسيَّة واقتصاديَّة، فحمل ذلك أولي الرأي في البلاد على الكتابة إلى المُعز يطلبون منه القُدوم إلى مصر لِإنقاذها من الفوضى التي دبَّت فيها مُنذ أن تُوفي كافور، واستجاب المُعز لِهذا الطلب.[87] استفاد المُعز من تجارب الماضي، فحرص على تجنُّب ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبها آباؤه عندما حاولوا الاستيلاء على مصر، فانتهج أُسلوبًا مُختلفًا، مُعتمدًا على دُعاته فيها الذين هيَّؤوا له الأرضيَّة الداخليَّة، كما كثَّف اتصالاته مع بعض أصحاب النُفوذ فيها الذين لم يُخفوا مشاعر ولائهم لِلفاطميين. وبدأت مُنذ سنة 355هـ المُوافقة لِسنة 966م استعدادات التجهيز، فأرسل قُوَّةً عسكريَّةً استطلاعيَّة إلى مصر في السنة التالية، هاجمت واحة سيوة المصريَّة، ووقف أفرادها على مدى صلاحيَّة الطريق التي ستسلكها الفرق العسكريَّة إلى مصر.[88] ولمَّا كانت مصر بعيدة نسبيًا عن إفريقية، أمر المُعز عامل برقة أفلح الناشب، بِحفر الآبار على الطريق بينها وبين تُونُس، وتمهيدها لِسير الحملات العسكريَّة، وبنى السُفن اللازمة لِلمُشاركة في الحملة، ومُساندة القُوَّات البريَّة، وشهد ميناء المهديَّة نشاطًا كثيفًا. فبنى حُسين بن يعقوب مُتولِّي البحر عشرة صنادل من القارب الكبير،[89] وأجبر سُكَّان بعض المُدن الصقليَّة على تزويد دار الصناعة بِالأخشاب، واتخذ تدابير استثنائيَّة لِتأمين الأموال اللازمة لِلإنفاق على الحملة. وعيَّن الخليفة الفاطمي القائد جوهر الصقلي قائدًا لِلحملة، ثُمَّ جنَّد أعدادًا هائلة من أنصاره من القبائل البربريَّة، وبِخاصَّة كتامة وزويلة بِالإضافة إلى الصقالبة، بلغ تعدادها مائة ألف مُقاتل.[90] انطلقت الحملة من إفريقية يوم السبت 14 ربيع الآخر 358هـ المُوافق فيه 7 آذار (مارس) 969م، فتقدَّم جوهر بِبُطء باتجاه الإسكندريَّة، وسانده أُسطولٌ بحريّ، ولم يصل إلى حُدود الدولة الإخشيديَّة إلَّا بعد ثلاثة أشهر.[91] وعندما نتشر خبر هذا الزحف في الفسطاط، اضطرب الوضع، واستعدَّ أنصارُ الفاطميين لاستقبال ذلك القائد بِنشر المعلومات التي وزعها عليهم الدُعاة، لِيُقيموا الدليل على خُضُوع المصريين الذين يُقاسون من الفوضى والجُوع مُنذ عهدٍ بعيد. ولمَّا لم يُصادف جوهر الصقلي مُقاومةً تُذكر، أمر جُنده بِعدم التعرُّض لِلسُكَّان، واستطاع بِحنكته أن يستقطب أهل الإسكندريَّة، ويتألَّف قُلوبهم بما أجزل لهم من المال.[92] أدرك المسؤولون في مصر، وعلى رأسهم الوزير جعفر بن الفُرات، أنَّهُ لا طاقة لهم بِمُقاومة الجيش الفاطمي الجرَّار، فجمع هذا الوزير وُجوه القوم لِلتداول في الأمر، وكانت رُسُل جوهر الصقلي ترد إليه سرًا.[93] واتفق الجميع على تجنُّب اتخاذ أي موقف عدائي، والميل إلى التفاوض في شُروط التسليم، وطلب الأمان لِأرواح المصريين وأموالهم وأملاكهم، فشكَّلوا وفدًا من أجل هذه الغاية، وخرجوا من الفسطاط يوم الإثنين 18 رجب المُوافق فيه 6 حُزيران (يونيو) وشايعهم كُل قائد وكاتب وعالم وتاجر وشاهد،[93] ما يدُل على أنَّ فكرة المُقاومة من جانب المصريين كانت شبه معدومة، وكان معنى ذلك أنَّ جوهرًا الصقلي كاد يستولي على مصر من دون إراقة دماء، ما يُعدُّ نصرًا مُؤزَّرًا. اجتمع أعضاء الوفد بِجوهر الصقلي في تروجة القريبة من الإسكندريَّة، وجرت بين الطرفين مُباحثات اتفقا بِنتيجتها على كتاب الأمان الذي كتبه جوهر الصقلي وأعلنه لِلمصريين، وجاء فيه تطمين أهالي مصر والشَّام المُتمسكين بالمذهب السُني أنَّ أحدًا لن يُرغمهم على التشيُّع،[94] وأن يقوم الفاطميُّون بِإصلاحٍ دينيٍّ شاملٍ يتضمَّن إصلاح المساجد وبناءها، وتأمين اليهود والنصارى على دياناتهم وأموالهم ودور عباداتهم، وتعهَّد بِتحقيق العدل ونشر السلام والطمأنينة بين الناس، وإعانة المظلومين مع الشفقة والإحسان، والتصدِّي لِخطر القرامطة ودفعهم بعيدًا على الشَّام ومنعهم من التعدي على الحُجَّاج المُسلمين، ومُواجهة الروم البيزنطيين الذين هاجموا شمالي الشَّام واستولوا على كثيرٍ من مُدنها، وتخليص أهل المشرق من الرُعب الذين لحق بهم جرَّاء هذين العدوين، كما تعهَّد بأن يقوم بِإصلاحٍ شاملٍ في إدارة البلاد بِالضرب على أيدي العابثين من قُطَّاع الطُرق، وضبط السكَّة بِعدم غشِّها أو تزييفها.[95] وفي مُقابل منح الأمان لِلمصريين، قيَّد جوهر الصقلي الوفد المصري بِقُيودٍ يستطيع من خلالها أن يدخل حاضرة البلاد مُطمئنًا، فأخذ عليهم العُهُود والمواثيق أن يُذيعوا نُصوص الاتفاق بين الخاص والعام، وأن يضمنوا عُبُور جيشه من الجيزة إلى الفسطاط وذلك بِالخُروج إليه، والسير في رُكابه حتَّى يعبر الجسر وينزل الفسطاط.[96] لكنَّ بعض فئات الجيش الإخشيدي عزَّ عليهم أن يستولي الفاطميُّون على مصر وأن يزول نُفوذهم وهيبتهم، فامتنعوا عن طاعة كُل ما جاء في عهد جوهر الصقلي، فنزلوا جزيرة الروضة، وقطعوا جُسور الجيزة، وانتظروا جوهرًا وجيشه بِمنية شلقان شرقي القناطر الخيريَّة، وهُم على أهبة الاستعداد لِمُقاومة الجيش الفاطمي ومنعه من الدُخول إلى الفسطاط.[97] وأُحيط جوهر الصقلي علمًا بانتفاض الجُند الإخشيديين، فاستحصل على فتوى من قاضي القُضاة أبي طاهر الذُهلي تُجيز قتال المُتمردين، فاصطدم بهم يوم 11 شعبان المُوافق فيه 1 تمُّوز (يوليو) وتغلَّب عليهم، فانسحبوا إلى الشَّام، وفي 17 شعبان المُوافق فيه 7 تمُّوز (يوليو) عبر جوهر الجسر المُقام على النيل بين الجيزة والفسطاط وعسكر شمالي القطائع، ووضع أُسس مدينة القاهرة، ولمَّا كان يوم الجُمُعة 20 شعبان المُوافق فيه 10 تمُّوز (يوليو)، صلَّى جوهر الصقلي في جامع عمرو بن العاص صلاة الجُمُعة، وخطب بالمُصلين هبة الله بن أحمد وقطع الدُعاء لِلعبَّاسيين وقرأ الدُعاء لِلفاطميين. وهكذا زالت الإمارة الإخشيديَّة بعد أن عمَّرت ثلاثة وثلاثين سنة ميلاديَّة، وبدأ العهد الفاطمي في مصر.[98]
متى سقطت الدولة الإخشيدية؟
Ground Truth Answers: 969م
Prediction: